الاثنين، 30 يوليو 2012

مدخل إلى الاتصال الاجتماعي د. محود محمد قلندر


مدخل إلى الاتصال الاجتماعي­

معالجة أولية لدور الاتصال ووسائطه في قيام ونمو المجتمعات البشرية
ورقة إطارية  مقدمة لقسم الاتصال الجماهيري بجامعة الجزيرة
د. محود محمد قلندر
مقدمة

الاتصال، في كل زمانٍ ومكانٍ، خاصٌ؛ هكذا تقول هذه الورقة.
وخصوصية الاتصال ترتبط بالمكان ومعطياته، والزمان ومستجداته. فالمكان بيئةٌ إنسانية، والزمان تطورٌ وتبدلٌ في الحال والمآل. ومن ثم لايمكن ولاينبغي، أن نسحب واقع مكانٍ وزمانٍ على واقع مكانٍ وزمانٍ آخرين. ومن يفعل، إنما يسلك سبيلاً لا يسمن من معرفة ولا يغني من فهم،  فلا استيعاب لخصائص السلوك البشري الاجتماعي ودقائق الفعل الإنساني المنْفَرِد أو المجْتَمِع ، إذا ما تم تعميم خصائص مكان أو زمان، على زمان أو مكان بعيدين كل البعد عن بعضهما.
تعبر هذه الورقة عن موقف أكاديمي يعتبر الاتصال أساساً لنشوء وتطور المجتمعات الإنسانية،  ويربط حركة التطور في وسائط الاتصال، بما فيها المخترعات الاتصالية، بواقع النمو  والتطور في المجتمعات الإنسانية.  وتعتبر الورقة  حركة التفاعل الإنساني داخل كل مجتمع، بما تنتجه من خصائص اجتماعية وثقافية ذات تفرد محتسب بكليته لمصلحة ذلك المجتمع، أساساً  لتبلور واقع اتصالي عالي الخصوصية، بمعطيات وظواهر يصعب نسخها أو تكرارها في المجتمعات الأخرى، حتى ولو تشابهت تلك المجتمعات في بعض جوانبها. 
إن الاتصال هو في الواقع لب وركيزة وجود المجتمع الإنساني على إطلاقه. فلا ينشأ مجتمع إنساني إلا بتواصل أفراد جمعتهم الرقعة الواحدة، فاستبانوا معنى الوجود المتشارك من خلال اتصال تداخل فيه الاستيعاب الإنساني لمعطيات المكان وعلاقات الإنسان، بتطوير أسلوب للتفاهم والتقارب، خلص بتلك المجتمعات إلى تعايشها وترابطها عبر  وسيط الاتصال المستند على خصائص ذلك المجتمع.
   
الفكرة والغرض
إذا كان الاتصال سلوكاً إنسانياً خاصاً بخصوصية المجتمعات، كيف إذن يمكن الاقتراب من بحثه ثم تعليمه في كل مجتمع بحساسية واعية بالخصائص الثقافية والقيمية لذلك المجتمع ؟
إن الإرث الذي ينهل منه اليوم طلاب علم الاتصال على اختلاف بيئاتهم زماناً ومكاناً، هو نتاج ثقافة وبيئة واحدة، هيمنت  بخصائصها ومعطياتها الإنسانية الفكرية والسلوكية على واقع العلم، فاختارت اتجاهاته، ورسمت نماذجه وبنت نظرياته على قواعد صلحت للزمان والمكان اللصيقين بتلك الثقافة. وبذلك فإن طالبي هذا العلم البعيدين عن الثقافة المبتَدِرة، إنما يتلقون –حين يدرسون- علماً قد تصلح بعض معطياته للتعميم، ولكن جزء كبيراً من مستحدثاته  يقوم على خصوصية البيئة التي تجعل نمذجة التجارب والنظريات، وقبولها  في غيرها من البيئات خطاً يرقى في بعض حالاته إلى الخطيئة.
إن  طلابنا في العالم العربي والاسلامي، درسوا ويدرسون علم الاتصال بما ساد من نظرياته في زمان ومكان بعيدين كل البعد عن عالمهم وواقعهم الثقافي. لقد ازدحمت قاعات الدراسة في كليات الإعلام في العالم العربي والإسلامي بحفظة نظريات الصحافة الأربع، وتلاة نماذج بيرلو،وشرام، وشانون، ودعاة الإيمان بتأثير وسائل الإعلام السحري المباشر كالرصاصة، وغير السحري وغير المباشر المتعدد المراحل،  ولاحقا ببناة فكر اتصالي لحمته وسداه نماذج المدرسة النقدية المولودة من رحم المدرسة الفرانكفورتية.

والوقع أن سيادة النماذج والفكر الغربي في مجال الإعلام والاتصال، لا يقع وزره على زملائنا الجيل الأول من أساتذتنا الاتصاليين، بقدر وقوعه في عُبِّ الساسة والمفكرين العرب والمسلمين. فالذي سيَّد الفكر الاتصالي الغربي، هو سيطرة الفكر السياسي ونهج الاقتصاد الغربيين في أوطاننا، حنى صار نمط الحياة والسلوك موازياً في كل شيئ لذلك الغربي منهما.  ولم يكن الإعلام ،مهنة وعلماً، بعيداً عن الفكر اللبرالي الرأسمالي، فالاتصال في أساس الفكر الغربي  هو الناقل للفكر والباسط لمحاسن الفعل والسلوك، فلا تقوي فكرة فيه أن تسري، أو سلوك أن يسود إلا باتصال مؤمن بالفكر، ومتفاعل مع الفكرة.

التداخل الإبيستيمولوجي بين الاقتصاد  والاتصال
إن نموذج  التكامل المعرفي بين الاقتصاد والاتصال –في منظومة الفكر الغربي- نموذج مشهود له  من المفكرين والمنظرين في كلا الحقلين. فلا إنكار لتلك الصلة الوثيقة بين نمو المدارس الفكرية الاتصالية في حضن الاقتصاد الرأسمالي وارتباط التطورات الفكرية في علوم الاتصال بمناهج المدراس الاقتصادية الغربية القائمة على الملكية الفردية ومبدأ  سوق التنافس الحر.   
وتلخيصاً لواقع العلاقة بين الاقتصاد والاتصال في منظومة الفكر الغربي، يمكن القول بأن الاتصال نما في حضن الاقتصاد الذي شكل له المهد في حركة التنظير الفكري. وهناك مثال شديد الوضوح لمثل هذه الصلة الفكرية بين الحقلين تقدمه لنا نظرية افتصادية غربية شهيرة سادت في حقبة الستينات هي نظرية النمو الاقتصادي للمفكر وليم روستاو ، وهي النظرية التي قدمها صاحبها كنموذج للنمو الاقتصادي المنافس للنموذج الشيوعي الذي كان مطروحاً بقوة وقتها.
لقد جاءت نظرية روستاو في كتاب شهير: مراحل التطور الاقتصادي   stages of economic growth  ،طرح  فكرة التنمية الاقتصادية بوجهها الرأسمالي باعتبارها حتمية تاريخية لا يمكن الإفلات منها. وتكمن  فكرة روستاو في أن  كافة المجتمعات لابد أن تمر بمراحل خمسة على طريق تطورها، هي:                                 
1- مرحلة المجتمع التقليدي  Traditional stage
2- مرحلة ما قبل الانطلاق pre take off stage
3- مرحلة الانطلاق take off  stage
4- مرحلة النضج maturity stage
5- مرحلة الاستهلاك الجماهيري mass consumption stage

ويتضح من خلال مراحل هذا النموذج النظرة الاستعلائية الغربية  West-centric ،  التي سادت الفكر الغربي منذ منتصف القرن الماضي، والتي اعتبرت المجتمعات التقليدية (حالة تخلف) ينبغي الفكاك منه بالانطلاق إلى رحاب "النضج" حتى الوصول إلى المبتغى وهو حالة المجتمع الاستهلاكي الشامل. و كان عدد من مفكري العالم الثالث قد بدأوا في نقد هذه النظرية منذ نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، باعتبارها دعوة لسلوك دول العالم الثالث طريق التطور الرأسمالي عبر التمسك بنموذج التنمية الاقتصادية الغربي القائم على نمط المجتمع الاستهلاكي. وقد اعتبرت أفكار روستاو مظلة لتيار الهيمنة الغربية الذي ساد من بعد انحسار حقبة الاستعمار ، وهي الأفكار التي نادت بوجوب اتباع الدول المستقلة حديثاً نمط نظام سياسي غربي تسود فيه الأحادية في الاقتصاد والسياسة والاجتماع، وتتخلص فيه الدول الحديثة  من أنماط الثقافات والقيم ومناهج السلوك الجمعي السائدة، لتتجاوزها إلى رحاب  نظام سياسي واقتصادي واجتماعي مقلد للنظام الغربي يضمن لهذه الدول نمواً ونهضة، وتقدماً اقتصادياً تسود فيه الكفاية وتتمدن فيه القرى وتتحضر فيه البوادي. ولكي يحقق مثل هذا الاختيار أهدافه في نهضة المجتمعات الجديدة، فإن  القيم والثقافات التي تتعارض مع النمو الاقتصادي ينبغي أن تستبدل ويحل محلها فكر قابل للتطور، يتبني سياسات تقوم على هدم القديم ونبذ التقليدي باعتباره معوقاً لحركة الانطلاق.
لقد كان نموذج روستاو هذا أحد دعامة الفكر الإمبريالي الذي نادى بأن المجتمعات المتخلفة لا ينبغي أن تترك لكي تنمو نمواً طبيعيا متدرجاً،  بل ينبغي أن يتم فيها التدخل intervention ، لكي يحدث النمو الاقتصادي عاجلا وبإرادة القوى المهيمنة. وقد صار نموذج روستاو إنجيل الاقتصاديين الغربيين الذين بدأوا في التخطيط لدول العالم الثالث (أو النامي) في ستينيات القرن الماضي، فخرجوا لها بوصفة تقوم على بناء اقتصادها على خطى الاقتصادي  الغربي، القائم على التصنيع الثقيل باعتباره سبيل النهضة الاقتصادية. وقد صارت أفكار روستاو وأشباهه من الاقتصاديين، هي الوصفة السحرية التي قدمتها الدول الغربية إلى مستعمراتها المستقلة حديثاً، فنهض في تلك الدول جهد محموم سعى لبناء اقتصاد يقاربها من اقتصاد الغرب القائم على التصنيع، ولما لم تكن تلك الدول تمتلك مقومات التصنيع، فقد اعتمدت على المستعمر السابق في التخطيط والتنفيذ حتى نمت علاقة اعتماد تام من قبل دول العالم الثالث  على الدول المستعمرة، عرفت في القادم من حقب  بعلاقة الاعتمادية dependency.
وكانت  فكرة التحديث modernization  هي وسيلة التحول من المجتمع التقليدي   traditional  إلى المجتمع الحديث  modern، ولكنها  جاءت وصفة غربية قائمة على فكرة تغيير واقع الوجود ، بتمدين القرى ، وتسييد نمط سلوك غربي، يتم من خلاله،  حسب مفهوم روستاو، القفز من مرحلة المجتمع التقليدي، إلى مرحلة التحضر الذي يسود فيه نمط الاستهلاك كأحد وجوهه الاقتصادية.

نموذج ليرنر الاتصالي
ولكن كيف يمكن للغرب بيع فكرة النمو الاقتصادي ذي الملامح الغربية إلى جمهور العالم النامي؟ فصحيح أنه لم يكن لدي الغرب كثير مشكل في بيع النموذج الاقتصادي للصفوة من  أبناء تلك المجتمعات التي تعلمت وعملت وكونت فكرها في البيئة الغربية، ومن ثم صارت تلك الصفوة هي المبشرة بالنموذج الغربي باعتباره وسيلة الخلاص من إسار القديم المتخلف، والانطلاق إلى رحاب الجديد المتحضر.
لقد جاء ذلك في إطار  نموذج اتصالي تلى نموذج  روستاو، وقدم  للغرب الوصفة المناسبة لبيع أفكار روستاو  للجمهور العريض من أبناء العالم النامي.
كان دانييل ليرنر هو صاحب النموذج المتوافق مع نموذج روستاو، فقد بني ليرنر على  فكرة التحديث   modernization  المأخوذة من الفكر الاقتصادي الروستافي ، فكرة العصرنة والتحديث التي قدمها في نموذجه الاتصالي.   فحسب نموذج روستاو،  لن تتحقق التنمية إلا إذا تم الفكاك من إسار المجتمع التقليدي والانطلاق إلى رحاب المجتمع الحديث، ولكي يحدث ذلك لابد من الالتزام بالنمط الماثل نموذجاً، وهو النمط الغربي. باختصار، كان التحديث يعني الغربنةwesternization .
لقد رأي ليرنر في وسائل الاتصال الجماهيري الوسيلة الأكثر قدرة على تحقيق أهداف التحديث كما قدمها روستاو وأشباهه من المفكرين الاقتصاديين. فهي يمكن أن تكون وسيلة الانتقال من المجتمع القليدي (المرحلة الأولى في النموذج الروستافي)، إلى المجتمع الاستهلاكي (المرحلة الأخيرة). ولكن لن يحدث ذلك إلا بالتخطيط الدقيق، فالوسيلة وأثرها موثوق بهما بحكم النظرية الاتصالية الأكثر سيادة وقتها – سمها الرصاصة السحرية أو الأثر المباشر- ، وكان مطلوباً أن يتم التخطيط ليكون محتوى الوسيلة متجهاً نحو هدف التحديث. اعتبر ليرنر وسائل الإعلام الجماهيرية وسيلة نقل المجتمعات المتخلفة  والتي تناولتها  دراسته (تركيا، مصر، لبنان، سوريا الأردن إيران) من التقليدية إلى العصرنة. وتركزت أفكاره حول وجوب التدخل لإحداث التغيير (عبر وسائل الإعلام) في أنماط الفكر والسلوك في أفراد المجتمع التقليدي، باعتبار أن ذلك التدخل يشكل الظروف المساعدة لحدوث الانطلاق التي وصفها روستاو. "فالظروف المساعدة" تكمن في ذلك الوعي الذي تخلقه وسائل الاتصال الجماهيري وسط الجمهور بحتمية الخروج من التقليدي من أجل الوصول إلى نموذج الحداثة.

نموذج ليرنر: الاتصال في خدمة الفكر اللبرالي
لقد كان من الطبيعي والمنطقي أن يغرق نموذج ليرنر في بيئته؛ فالفهم الغربي الأوروبي للنهضة الاقتصادية –حسب روستاو- هو  في سيادة الاقتصاد الحر واعتماد التصنيع الثقيل، في إطار فكر سياسي لبرالي. ومن ثم فإن النموذج الاتصالي المنبثق من مثل هذا الفكر،لا يمكن أن يكون إلا   نموذجاً يثبت أركان  اللبرالية القائمة على اقتصاد السوق الحر.   
لهذا فقد ارتبط نموذج ليرنر الاتصالي – في فكرته المركزية- بترويج الفكر السياسي اللبرالي وتثبيت دعائم الاقتصاد الرأسمالي. إن دانييل ليرنر في أساسه هو مفكر اجتماعي قبل أن يكون باحثاً في علم الاتصال، تماما كما هو الحال بالنسبة لهارولد لاسويل الذي يعتبره الكثيرون الأب الشرعي لعلم الاتصال، والذي جاء اهتمامه بالاتصال وأدواته (الإعلام) من واقع اختصاصه في علم الاجتماع السياسي. والواقع أن كلا المفكرين يقدمان لنا النموذج الأمثل لحالة ارتباط الفكر الاتصالي بالواقعين السياسي والاقتصادي الغربي، فالإثنان بنيا إسهامهما في مجال الاتصال على قاعدة وجودهما وانتمائهما للفكر اللبرالي. وقد بنى من تلاهم من مفكرين فكرهم قريبا من ذلك، إلا في حالات قليلة -  كحالة إيفريت روجرز كما سنوضح بعد قليل.
لقد بنى  ليرنر نموذجه على فرضية أساسية  مستلهمة من فكر روستاو وهي : أن المجتمع التقليدي سيزاح لمصلحة المدنية والتحضر عندما يحدث وعي اجتماعي بقيمة التحديث وأثره،  وذلك من خلال تعرض المجتمع إلى وسائل اتصال جماهيرية تمكنه من المقارنة بين التقليدي والحديث، وتؤدي به في المنتهى إلى الانحياز نحو الحداثة بل وإلى  تقمصها.
لا يحتاج القارئ  لكثير تمعن ليعرف أن نموذج ليرنر منحاز بكامله لفكرة التحديث في إطارها الغربي:  نظام سياسي ومنهج اقتصادي وسلوك اجتماعي.  والنموذج يعتبر وسائل الاتصال الجماهيري (أو وسائل الإعلام) وسيلة التوعية بالنموذج الغربي للتحديث وسط أفراد المجتمع، ويرى أن ذلك لن يحدث إلا بوجود "تدخل" intervention  ، يتم التخطيط له عبر سلطة مركزية تتطلع إلى إحداث التحديث كما هومأمول. بمعنى آخر يجب  أن تكون أدوات الاتصال في يد السلطة التي تخطط لإحداث التغيير.
 وبذلك يكون هذا النموذج  قريباً جدا من نموذج الدعاية الهتلرية المعروف بالبروباقاندا    propaganda   النازية.
ومن نافلة القول اليوم أن نعيد التذكير بأن هذا النموذج، نموذج ليرنر، صادف هوى ومزاجاً عند عدد من قادة العالم الثالث في بدايات الستينيات من القرن الماضي، سنوات كان الأفارقة والأسيويون والعرب على أبواب الاستقلال أو في أتون معاركه. فقد وجد قادة تلك الشعوب في النموذج مبررا منطقياً لدعوتهم لبقاء وسائل الاتصال في يد السلطة -وهم هي- ، لتكتمل بذلك لهم أدوات السيطرة على المجتمع:
 صادف النموذج هوى لدى ساسة ذلك الزمان، فوسائل الإعلام هي  أدوات تغيير المجتمع الموثوقة النتائج ، وهي أدوات التعبئة لاستنهاض الامة لبناء ذاتها، وهي أدوات التعليم والبناء السياسي،
بمثل هذه المهام الجسام، كيف لأدوات تغيير المجتمع النامي أن تكون في يدٍ غير يد السلطة،..
وكيف يمكن أن تترك دون تسييجها بالقوانين التي تمنع توجيهها لغير هدف التغيير، حتى ولو أدى ذلك إلى الحد من حريتها في النشر والنقد والتوجيه.
لقد فتح نموذج التحديث لدانييل ليرنر أبواباً واسعة لولوج أفكار سلطوية إلى قلب الفكر اللبرالي الذي أراد له أساطينه أن يسود. فقد تبنى ساسة عديدون في العالم الثالث النموذج باعتباره وسيلة لبناء مجتمع ناهض حديث تسيطر فيه الصفوة ، وتوجه وسائل الإعلام فيه وجهة آحادية انتهت بالسيطرة السياسية لتلك الصفوة، دون أن تبلغ غايات النمو الاقتصادي المنشود للمجتمع. وكان من ناتج تلك السيطرة الصفوية أن تململت قوى المجتمع، وعبرت عن نفسها بسبل شتى كان بعضها عنيفاً عصف بسيطرة الصفوة السياسية وخلخل أركان النظام الاجتماعي.
 
 نموذج روجرز : استلهام المجتمع وسائل تغييره
لم يكن نموذج الاتصال الاجتماعي الذي طوره  إيفريت روجرز، بعيداً عن حركة التململ التي عصفت ببعض أركان المجتمعات في دول العالم الثالث. فقد فشلت نظريتا ليرنر وروستاو في وضع العالم الثالث على منصات الانطلاق الاقتصادي، بل وتفاقمت مشكلات المجتمعات النامية التي جعلت من نبذ التقليدي من أنواع التفكير ومناهج السلوك وأنماط العيش، طريقاً للتحديث. وقد عاد روجرز- بعد رؤيته لمآل أفكار ليرنر-  ليحمل لواء الدعوة إلى استلهام المجتمعات التقليدية، وليس المجتمع الغربي، مقومات السلوك المفضي إلى النمو والتقدم.  وصار عصب الفكر عند روجرز هو في سبر غور المجتمعات التقليدية للوقوف على مفاتيح التأثير فيها، واختيار مناهج  التأثير الأكثر مواءمة لكل مجتمع وبيئة.  وجاءت نظريته انتشار المبتكرات   Diffusion of Innovations  مستلهمة عدة نماذج  من بيئات ثقافية واجتماعية متباعدة: من تنزانيا ، إلى الهند ، فالصين، فكوريا ، طرح من خلالها رؤيته لانتشار أفكار التغيير الاجتماعي في مثل تلك المجتمعات عبر مراحل اتصالية متداخلة ومتوالية، تلعب فيها الفئات الاجتماعية المختلفة دورا أساسياً. لقد بنت نظرية انتشار المبتكرات لإيفريت روجرز فكرتها المفصلية على أن الاتصال الاجتماعي المباشر له  موقع القوة في تدفق الرسالة عبر النسيج الاجتماعي من مستوى إلى آخر.  وسعت النظريةإلى وضع البيئة الاجتماعية  في قلب حركة الاتصال، ودفعت بوجوب استلهام ثقافة وقيم البيئة أساليب ووسائل الاتصال والاقتراب: بالرقص في مكان..بالغناء في آخر، بالشعر في جهة، وبالخطابة في أخرى.. بالتلفزيون هنا، بالإذاعة هناك.. وهكذا.
التغيير إذن –حسب مفهوم روجرز- رهن بخصائص المجتمع وثقافته، والتحديث لا يكون بالدفع من علٍ. والناس –عند روجرز-  درجات في استيعابهم للأفكار والمعلومات، ودرجات في استجابتهم للمحفز. والوصول إلى مفاتيح التأثير على الناس، إنما رهن بالقدرة على استلهام واقع المجتمع وثقافاته أدوات تحفيز الأفراد لتغيير واقعهم.
ورغم أن روجرز يبدو مقترباً بطرحه هذا، بما ننادي به هنا، إلا أنه لم يبتعد كثيراً عن رؤية التغيير والتقدم رهنا بنمط الحياة والسلوك الغربيين.  ولا تثريب عليه في ذلك، فهو بن بيئته.


دراسات الاتصال والمجتمع
لقد استعرضنا فيما مضى من الفقرات،  نظرية واحدة لنبرهن أن الاتصال ودراساته ونظرياته غربي المنبت، وأن تطبيقاته على غير الغربي لا يلقى الرضى والاستحسان، حتى من أصحاب الفكر الغربي، كما رأينا في حالة روجرز.
وقد نقترب أكثر من غرضنا لو وصلنا حديثنا بدراسات الاتصال والمجتمع، بحثاً  عن إمكانات التعميم الممتد -زمانا ومكاناً - في  مثل تلك الدراسات. فدراسات  الاتصال والمجتمع التي يتعرض لها طلاب هذا العلم،  متفرعة ومتشعبة، بعضها  يقوم على تحليل دور الاتصال في بقاء ونمو وازدهار المجتمعات، وبعضها يتعلق بأثر الوسائل على أفكار وآراء ومواقف ومعتقدات  أعضاء المجتمع، منفردين او مجتمعين. وبعض تلك الدراسات يتصل بأثر المجتمع - واقعه  وخصائصه السياسية والاجتماعية - في دور ومكانة المؤسسات الاتصالية، وفي ملكيتها ومحتواها.
وبذلك تنقسم  هذه الدراسات بين نوعين: نوع يتناول أثر وسائل الاتصال  في المجتمع، وآخر يتناول أثر المجتمع في محتوى وممارسة الوسائل. مثالنا في ذلك مجموعتان من النظريات، هما مجموعة نظريات الاثر media effect theories، ومجموعة النظريات المعيارية normative media theories  . فالأولى تعكس دور الوسائل في المجتمع، والثانية دور المجتمع في شكل وممارسات الوسائل.
من أمثلة المجموعة الأولى- نظريات الأثر: نظريات الرصاصة السحرية، وترتيب الأجندة، والاستخدامات والتشبع، والحصاد الثقافي، والتأطير. ومن أمثلة الثانية- النظريات المعيارية: نظرية نماذج الصحافة الأربعة، نماذج وليم رو للصحافة العربية، نموذج وليم هاشتن، ونموذج ميريل ولوينشتاين.
تصلح  النظريات المعيارية لقياسها بمقياس صلاحيتها للتعميم واتخاذ النموذج الذي نترافع ضده في هذه الورقة. ودعنا نبدأ بنظرية أنظمة الصحافة الأربعة  التي يعرف كل مطلع في العلم أنها بنيت على دراسة تاريخية وصفية تناولت الصلة بين التطورات السياسية التاريخية في أوروبا منذ  عصر التنوير، مروراً  بالثورة الفرنسية،  ووصولاً إلى التطورات السياسية  التي تلت  الحرب الأهلية في الولايات المتحدة وقيام الثورة البلشفية التي أدت إلى قيام الاتحاد السوفيتي.
بنى أصحاب النظرية الثلاثة، أربعة أنظمة صحفية  اقترحوها في ارتباط وثيق بالواقع السياسي الذي ساد في تلك الفترات التاريخية المذكورة.  وظلت النظريات الأربعة تحكم الواقع النظري لعلاقة الإعلام (أو الصحافة) بالمجتمع ممثلا في نظام الحكم فيه لزمان طويل. وظلت علاقات وسائل الإعلام بالمجتمع على المستوى النظري الأكاديمي، مجمدة في هذا القالب الذي صنعته نظرية الصحافة ذات الأربعة أشكال، حتى نهاية الخمسينات حين تدخل عدد من الباحثين مقترحين نماذج أخرى.
من أولئك الباحثين رالف لوينشتاين وجون ميريل، واللذان اقترحا نموذجا يستوعب تطورات الفكر السياسي والممارسة السياسية في الغرب، فاقترحا ثلاثة نماذج: نموذج صحافة حكومية، وصحافة خاصة، وصحافة حزبية، تستند على خمس فلسفات: سلطوية، اجتماعية سلطوية، حرية، اجتماعية حرة، واجتماعية وسيطة. ثم عاد ميريل وقدم – فيما بعد- نموذجا آخر ربط فيه بين  التطورات الفكرية السياسية الغربية وبين تطور علاقة وسائل الإعلام بالمجتمع، فمن الفكر السلطوي المطلق وحتى حالة الفوضى، هناك مكان ودور لوسائل الإعلام تصنعه الفلسفة السياسية، وتسيِّجُه الدولة (المجتمع) بالقوانين.   
أما وليم هاشتن، فقد قدم في بداية السبعينيات، نموذجاً استوعب فيه نواقص نماذج السابقين عليه، فأدخل  نموذجين جديدين هما نموذج الصحافة الثورية، والصحافة التنموية. وقد عكست هذه التحولات في النموذجين الرغبة في إدخال العالم الثالث في منظومة النظم الصحفية الغربية، وذلك بالنظر من زوايا الفكر السياسي والفلسفة السياسية الغربية.

وليم رو و"متقلب" النظام الصحفي العربي:
من بين النماذج التي نراها تستحق المعالجة المتأنية في سياق هذا الورقة هو مجهود الدبلوماسي الامريكي السابق وعضو معهد الشرق الأوسط والخبير في أمور منطقة الشرق الأوسط وخاصة صحافتها، وليم رو.
والواقع ان نموذج رو – بل قل نماذج رو- يقدم لنا من ضمن ما يقدم،  الدليل على خطأ وخطل التفصيل المسبق للأنظمة والعلاقات الاتصالية داخل الأنظمة الاجتماعية. كما يقدم  دليلاً شديد الدلالة  على أن التمثل بالنماذج الغربية قد لا يفضي إلى سواء السبيل.   لقد بدأ وليم رو دراساته عن الصحافة العربية في كتابه الأشهر الصادر عام 79، فاقترح فيه نموذجا ذي ثلاثة  فصائل لفهم وتحليل الإعلام العربي هي الصحافة التعبوية، والصحافة الموالية، والصحافة المتنوعة. وقام في ذلك الكتاب بتصنيف الدول العربية إلى تلك الفصائل الثلاثة.
بعد عشر سنوات من طبعة كتابه الأول، عاد رو عام 89 وأعاد ترتيب العالم العربي ليستوعب متغيرات حقبة من الزمان، فاحتفظ في إصدارته الجديدة بالأصناف الثلاثة، ولكنه أعاد ترتيب مواضع الدول في المجموعات الثلاثة.
في عام 2004 أعاد وليم رو كتابة مؤلفه الأول حول الصحافة العربية تحت مسمى جديد: "وسائل الاتصال الجماهيري في العالم العربي: الصحافة والإذاعة والتلفزيون في السياسة العربية". وقام فيه  بإعادة النظر في نموذجه الأصلي، بعد أن أعلن أن العالم العربي صار أكثر تعقيداً من أن يتم استيعاب تنوع وسائل إعلامه في ثلاثة نماذج، فرفع عدد أنواع الصحافة إلى أربعة، وقام بإعادة ترتيب المجموعات بنقل دول من مجموعة إلى أخرى، كما ناقش باستفاضة التحولات السياسية التي اكتنفت المنطقة خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات.

استلهام نماذج الآخرين: ميراث الفشل
ليس هناك شك في أن  فشل نموذج وليم رو في ثبات التفسير الصائب للواقع الإعلامي العربي، هو دليل على فساد الالتزام بالمعايير والمقاييس الغربية عند قياس الآخرين. فقد فشل نموذج رو لأن العالم العربي بات شديد التغير، سريع الانتقال من واقع إلى آخر حتى صعب على وليم رو  وأمثاله من الباحثين، استيعاب متغيرات البيئة العربية، فلم يجد إلا أن يقترح  نمطاً صحفيا  رابعا سماه (الصحافة الانتقالية)  ليفسر به نوع العلاقة بين الصحافة والدولة في عدد من الدول العربية منها  مصر وتونس والجزائر والأردن. ولعله ليس صعباً على الدارس لواقع الصحافة العربية في تلك الدول خلال فترة ما قبل الربيع العربي في 2011، لا يصعب عليه ملاحظة غياب أي رابط يربط  صحافة تونس بصحافة الأردن أو مصر،  إلا تلك العلاقة المتعلقة بمدى اقتراب الأنظمة السياسية في مجموع هذه الدول من شكل  النظام الصحفي اللبرالي الغربي ( نظام الحرية). وإذا صحت تلك الملاحظة، فإنه بذلك يتأكد تمركز الفكر الغربي في عمومه حول حالة الاستعلائية الغربية  باستمرار طرحها لنماذجها الصحفية – من حيث مساحة الحرية ونوع الملكية- نماذج قياس للاحتذاء  benchmarking models .
 ويمكن بذلك القول أن باحثاً مثل رو  يعتبره الكثيرون مرجعاً في فهم السياسة والصحافة العربية، فشل في رؤية الواقع العربي بيئة وديناً وثقافة، كافياً لتقديم نموذج عربي أصيل لا يجتر بالضرورة من  نماذج الغرب قواعده، وإنما  يستلهم – في معطياته واتجاهاته - خصائص بيئته  العربية الإسلامية.

خطأ  التعميم في نظريات الاتصال
إن  أي دعوة للحديث عن كونية    universality   الفكر الاتصالي دعوة  قابلة للتجريح.
فالنقل المسطري من تراث علماء الاتصال إلى غير بيئتهم، والتطبيق الحرفي لمناهج بحث علوم الاتصال في كل مكان، والتمسك بشمولية أثر وسائل الاتصال على كل بيئة، أمرٌ يشوبه الكثير من ضيق الأفق الفكري، وينم عن ضعف الحساسية الأكاديمية تجاه خصوصية البيئة الاجتماعية .
دعنا نأخذ واحدة من النظريات الأكثر تناولا في فصول الدراسة في العالم الغربي، والعالم العربي والإسلامي أيضاً: نظرية ترتيب الاجندة.
دون الخوض في استعراض ممل للنظرية دعونا نعتبر جوهرها الذي يقول أن وسائل الإعلام هي التي تحدد للمجتع ما يفكر فيه، ومن ثم تجعل موضوع التفكير "مسألة مجتمعية" يمكن –حسب الفكر الاتصالي الغربي -أن تكسر أو تصنع ساسة وحكومات.
إذا سلمنا -استناداً على جدلية الفكر الغربي- أن الوسائل الإعلامية يمكن أن يكون لها مثل ذلك الأثر، فإن أخذنا بمثل تلك الجدلية وقبولنا بها  لقياس الأثر في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، هو خطأ إبيستيمولوجي وفكري.  يجب أن نتذكر أن الباحثين الغربيين الذين بحثوا في قضية الصحافة ودورها في ترتيب الأجندة، اسبعدوا أثر الجماعة في تكوين "رأي المجموعة"، لأنه، أصلاً،  ليس للجماعة في  منظومة الفكر الاجتماعي الغربي كبير اعتبار. وذلك سببه القواعد الفلسفية  التي يقوم عليها الفكر الغربي من حيث إعلائها للفردية وارتهانها لسعادة الإنسان بوجوده الحر، المحاط بأقل قدر من القيود في إطار الجماعة. ولهذا فإن اخذ الاتصاليين العرب والمسلمين- وغير العرب وغير المسلمين في العالم غير الغربي-  بنهج الفكر الغربي واعتبار مجتمعاتهم قائمة على الأحادية والفردية،  أمر يبعث على الاستغراب.
وبمثل هذا الفهم يصبح السؤال المشروع هو: من يرتب الأجندة السياسية في عوالمنا غير الغربية؟
هل حقاً لوسائل الإعلام ذلك الدور المحيط الذي يصبغه الفكر الغربي لها في المجتمعات الغربية؟
هل حقاً وسائل الإعلام هي محور وركيزة التفكير السياسي الجمعي على نحو ما طرح الاتصاليون السياسيون الغربيين من أمثال إليزابيث نويلا نويمان، في رؤيتها للولب الصمت الذي تسهم في تعميق لولبيته الوسيلة  ومحتواها، أكثر من تواصل وتفاعل البشر؟
ثم ما هو ما هو دور الجماعات – في المجتمعات غير الغربية- في ترتيب أجندة الوسيلة نفسها؟ أليست هموم وقضايا الناس هي التي تشكل اهتمامات الوسيلة في مجتمع تتماسك فيه الجماعة وتجد المؤسسات الإعلامية- بمالكيها ومحرريها- نفسها جزء من "الجماعة"؟
وإذا كان الحال كذلك، فإن سطوة وسائل الإعلام المنظَّر لها في المجتمع الغربي، قد لا تنطبق بحرفها ونقطتها في غير العالم الغربي، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار بعض المعطيات والمتغيرات الاجتماعية المهمة، من تعليم ودخل وتعرض للوسائل الإعلامية، والتي يقاس من خلالها -عادة- أثر الوسيلة الإعلامية.
يمكن بالطبع القول بأن الصفوة الاجتماعية في المجتمعات التقليدية لها موقع الريادة في قيادة الرأي الاجتماعي، وقد يقول الذي يود أن يحتج بقوة أثر الإعلام في ترتيب الأجندة،  إنها تقود الرأي بما هو في الوسيلة. ولكن ذلك عندي غير صحيح، فالصفوة في عوالمنا صفوة قامت وتقوم  على مبادئ ومواقف فكرية مسبقة، لا يغير منها محتوى وسيلة إعلامية كثيراً. وبذلك يصبح القول بأثر الوسيلة في قيادة الرأي قولاً  يصعب وضع البراهين عنه أمام المحتج عليه.  

البحث العلمي في الاتصال وغير الاتصال
وليس أمر ضعف الحساسية الأكاديمية تجاه خصوصية البيئة الاجتماعية، وقفاً على تطبيق نظريات الاتصال في غير محلها.  بل هو الحال هو عينه في مجالات البحث العلمي في عدد من العلوم الاجتماعية، والتي أهلك السعي نحو العلمية فيها ظهرها، حتى صارت مسخاً مشوها يكرر فيه غير الأهل ذات الفرضيات ويعددون ذات المتغيرات ، ويقدمون نفس التعريفات إجرائية وعملية.  فيصلون إلى ذات النتائج: أثر من بعد فعل،  ونتيجة من بعد تجربة، ويضربون بصدقية النتائج فيها  مهما  تغيرت العوالم.
إن المتأمل في أمر البحوث الاجتماعية  بحساسية، لا يفوته أن يسأل غيره من فاقدي الحساسية الأكاديمية:
ما هو مكان منهج بحثي غربي كالمسح الاجتماعي في مجتمعات  شرقية تترابط قواها  وتقوم أركان دعائمها على اللحمة. في مثل تلك المجتمعات التي يغيب فيها الفرد في خضم الجماعة، ويذوب الخاص في محيط العام، هل تصلح  "العينة"، على اختلاف أنواعها، مقياساً لأثر فعلٍ ما، أو متغيرٍ ما ، على تلك الجماعة؟
هل تصلح أنظمة العينات عشوائية كانت أو عمدية، بسيطة كانت أو مركبة،  لتكون دليلاً على  قوة الموضوعية وثبات الصدقية في مجتمعات أهم خصائصها الكلية قبل النسبية، والتجمع قبل التشتت؟
هل تصلح المقابلة – كنوع من أنواع المسح – لاستخراج المعلومات الصادقة من أفراد مجتمع متماسك حتى يصير الفرد الواحد قليل الإحساس بقيمته منفصلاً عن الآخرين؟

لا ينبغي اعتبار كلامي هذا دعوة  للتطرف الثوري الأكاديمي ، أو للانقلاب الفكري على كل نهج من مناهج الفكر الغربي. فذلك بالقطع غير مجد وغير علمي،
الدعوة هي في استلهام واستنباط واقعنا، واعتبار مناهج حياتنا، وأنماط فعلنا وسلوكنا،  لوضع أسس الفكر الاتصالي الأصيل، وهي بذلك دعوة لا تلغي الفكر العلمي الغربي، بل تبني عليه. وفي بنائها على الفكر الغربي، تأخذ  من معطيات فكرنا، وتستلهم تراثنا لتقدم نموذجاً ذي هجنة فكرية تقوي منه وتجعله صالحاً للتعبير عن واقع مجتمعاتنا وغير بعيد عن ساحة الفكر الاتصالي العالمي.

تهجين الفكر الاتصالي: الاتصال والمجتمع نموذجاً
ربما يكون المخرج من شراك البقاء في قوقعة الفكر الاتصالي الغربي، هو في ابتداع أساليب للمقاربة والمعالجة لا تنقل –بالمسطرة- النماذج الغربية الاتصالية- نظريات وفرضيات وبحوث- لتطبقها على واقعنا، بل تستنبط من فكرنا وتراثنا ما يعين على الفكاك من هذه القوقعة.  
ولا تجد الورقة مفكراً يعين عمله الفكري على استنباط تراثنا الأصيل من أجل التنظير والبحث في مجال الاتصال والمجتمع،  أكثر من المفكر العربي المسلم عبد الرحمن بن خلدون.  فقد اعتبر بن خلدون، الوجود الاجتماعي، ما أسماه ( العمران )، مقترناً أيما اقتران بمؤسسة الاتصال الإنساني  الراكزة، وهي اللغة. فهو يعتبر اللغة أحدى مقومات العمران البشري في انتقاله من حالة البداوة إلى الحضارة.  ويرى اللغة (أو الاتصال) أحدى أهم وسائل الحفاظ على روح العصبية بين أفراد المجتمع.  فاللسان الواحد هو عنصر الاستمساك بالقيم الرواسخ، ووسيلة بث روح العصبية والانتماء الجامع. ويمضي بن خلدون ليصف حال الانتقال من عمران البداوة إلى عمران الحضارة، فيرى اختلافا بين لغة  البداوة و لغة الحضارة، ويجلي رؤيته أكثر بالقول إن أولى الأمر في عمران البداوة، يسهل عليهم بناء العصبية على قاعدة لغة  البداوة المشتركة، فإذا ما دخلوا عمران الحضارة وجب عليهم استبدال المعطيات اللغوية لتثبيت دعائم العصبية  في عمران الحضارة. وبذلك  فإن اتصال البداوة الذي تتماسك به عصبية المجتمع (العمران) مختلف عن اتصا ل عمران الحضارة، ففي كل تسود معان ومفردات متشربة ألوان محيطها، ومغروسة جذورها في البيئة التي هي فيه. ويرى بن خلدون في الانتقا ل من عمران البداوة إلى عمران الحضارة انتقالاً ضخماً تتخلخل فيه الثوابت ، وتتبدل فيه المراجع، حتى يصعب لغير الموجود في تلك البيئة استكناه معنى الأقوال وتفسير فحوى الأفعال.
وقد استدل بن خلدون في مقدمته على أثر البيئة في تكوين وتلوين ذخيرة الاتصالي، بقصة الشاعر علي بن الجهم مع الخليفة المتوكل، والذي انتقل من بيئة بداوة جعلته لا يرى عيبا في مدح الخليفة بالكلب والتيس والدلو، إلى بيئة حضارة في ضفاف دجلة وفي حضن العمران، جعلته يصف العيون والهوى والعشق بما جعل المتوكل يصيح فيمن حوله "أوقفوه فإني أخشي أن يذوب رقة".
لقد أفرد بن خلدون فصلاً كاملاً في مقدمته للحديث عن اللغة ومكانها في تماسك المجتمع ونموه؛ فهو يقول إن أهل الأمصار يستمدون التعبيرات والمعاني من واقعهم، حتى يضحى الاتصال عندهم قائماً على خصائص أمصارهم، وطبائعهم الذاتية لكون وجودهم في تلك الأمصار. وبذلك يكون بن خلدون أول من جعل البيئة عاملاً أولاً في تكوين الرسالة وفي فهمها، وهو في ذلك لا شك سابق كافة كتاب ومنظري الاتصال الثقافي intercultural communication  من أمثال   قيرت هوفستيد  Geert Hofstede  و وإيدوارد هال   Edward Hall   الذان ابتدعا مفاهيم الأحادية والجمعية، وأفكارا  مثل المجتمعات ذات العتبات العليا High threshold ، والمجتمعات ذات العتبات الدنيا low threshold ،  ومبدأ الزمن  ذي البعد الواحد  monochronic  والزمن متعدد الأبعاد polychronic  وغيرها. ولا أريد أن أقطع بأن أفكارهما مستمدة من فكر خلدوني، ولكني بالقطع قائل بأن مبدأ التراكمية في العلم   الذي جعل  أفكار بن خلدون ملهمة لعلم الاجتماع، يمكن لها أن تلهم أفكار باحثين وكتاب في  واحد من علوم الاجتماع.
وعلى صعيد المعطى النفسي في الاتصال، أجد بن خلدون  قد طرق - منذ ستة قرون- أسس نظريتين من نظريات علم نفس الاتصال، هما نظرية التنافر المعرفي cognitive dissonance لليون فستنقر، ونظرية الاستخدامات والتشبع uses and gratification، لجورج قيربنر. لقد تحدث بن خلدون منذ ستة قرون، عن تعامل المتلقي مع الرسالة الاتصالية (الخبر) قائلاً:

"... فإن النفس إذا كانت على حالة من الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى يتبين صدقه من كذبه. وإذا ظاهرها تشيع لرأي أو نحلة، قبلت ما يوافقه من الأخبار لأول وهلة، فكان ذلك الميل والتشيع غطاءً على عين بصيرتها من الانتقاء والتمحيص، فتقع في قبول الكذب (الخبر) ونقله"[1].

يشير بن خلدون هنا إلى أهمية الواقع النفسي للمتلقي  في تحديد أثر الرسالة. كما يشير إلى أن الرسالة المتوافقعة مع المعطى النفسي للمستقبل، تلقى القبول والاستيعاب، حتى وإن كانت الرسالة كاذبة. وبذلك ضرب بن خلدون بضربة واحدة  كبد نظريتين ظن صاحباهما أنهما الآتيان الأولان بهما. تقول الأولى أن المرء يتخير من محتوى الوسائل ما يتوافق مع حاجاته النفسية العقلية، وتقول الأخرى أن عقل المرء يلفظ ما يتناقض ومحتواه من المعرفة ويتقبل ما يتفق ومحتوى العقل.

نحو نموذج أولي لقياس  أهداف وسائل الاتصال في المجتمع 
لعله يمكن الآن الاختتام بطرح نموذج نريد أن نلخص به فكرة استلهام البيئة والواقع في البحث والتنظير في علوم الاتصال. 
ولا بد من التأكيد هنا  أن النموذج  المطروح لا يستوعب كافة مجالات الاتصال، و لا يصلح لمعالجة كل القضايا في هذا الحقل. بل هو نموذج نرمي به إلى معالجة ما تم طرحه في بدايةهذه الروقة، وفي كثير من الكتب والمراجع حول  خطل التعميم في علم الاتصال، وخصوصاً التعميم ذي الصلة بالنظريات، وأهمها المعيارية ذات الصلة بالنظم الصحفية ، وعلاقات الصحافة بالنظم السياسية والاقتصادية.
لقد تم تطوير هذا النموذج  ليلخص بشكل شامل حتمية استلهام البيئة والواقع، لفهم واستيعاب مكانة ودور الاتصال وأدواته في المجتمع. وفي سبيل ذلك يقدم النموذج مقترحا لتحليل خصائص المجتمع بشموليتها، مع المعطيات الاتصالية يقوم على  نموذج ذي خمسة مقومات  تشكل في تفاعلها النهائي معطيات النظام الصحفي وشكل العلاقة بين المجتمع وأدوات اتصاله ودورها فيه.
يبدأ النموذج بتحديد المعطيات الرئيسة للمقوم الأول (المجتمع) ذات الأثر الأساس في بلورة ملامح  العلاقة بين القوى المسيطرة في أي مجتمع وبين وسائل الاتصال في ذلك المجتمع، ويفصل تلك المعطيات (أو المتغيرات) تفصيلاً دقيقاً، ثم  يقسم تلك المعطيات الأولية تقسيماً سوسيولوجيا   يحدد المعالم التالية:
النظام السياسي
النظام الاجتماعي
النظام الاقتصادي
النظام الديني  
المعطيات الثقافية
البيئة الجغرافية

ثم يقوم النموذج بتشريح كل واحدة من هذ المعطيات  ساعياً إلى تحديد ملامحها المميزة في المجتمع تحت الدراسة، باعتبار أن المعرفة المتعمقة لهذه المعطيات هي الأساس في اختيار المقوم التالي وهو مقوم النظام الإعلامي؛ وبدورها تفضي دراسة ملامح النظام الإعلامي  من حيث الفلسفة الاتصالية ونماذج الملكية إلى تحديد المقوم الرابع، وهو السياسات الإعلامية، من حيث أهداف الدولة من إعلامها، تغييراً للمجتمع وتنمية له، أو تثبيتاً لدعائم الاستقرارالسياسي والاجتماعي فيه. أما  المقوم الرابع فهو مقوم الوسائل المختارة في  تناسب وتناغم مع ما تم تقديره من خصائص المقومات السابقة، ثم المقوم الأخير وهو مقوم الممارسات الفعلية للاتصاليين، اعتماداً على ما تم تقريره من خصائص للمجتمع، وسياسات إعلامية مبنية على النظام الإعلامي. وبذلك يتداخل النموذج ليقدم الصورة المتكاملة لتأثير خصائص المجتمع في الخيارات الاتصالية الشاملة: أهداف وسياسات ووسائل وممارسات.
ثم يتوج النموذج ليتم تطويره إلى آلية قياس   predictor ، تمكن كل مستخدم من التنبؤ بأساليب وأهداف وخصائص الاتصال في كل مجتمع ، ويسهل من التعرف على أنجع الوسائل المساعدة على  تحقيق الأهداف القومية للمجتمع.
 

النظام الإعلامي
 


المجتمع
 


السياسة الإعلامية
 


وسائل الإعلام
 






السياسة التحريرية
 

Right Arrow: تقررText Box: تحددText Box: تحددText Box: تقرر

خصائص المجتمع  وأثرها في  خيارت وسائل وممارسات الاتصال
 




Striped Right Arrow:                   خريجو إعلام وصحافةStriped Right Arrow:         تعليم جامعيLeft Arrow:                                                   تاثير مرتد                                                             

النموذج النهائي: آلية قياس دور ومكانة وسائل الإعلام في المجتمع
 
Right Arrow:              مخرجاتRight Arrow:                مدخلات 


[1]

مراجعات منهجية على مبحث النظرية الاتصالية


مراجعات منهجية على مبحث النظرية الاتصالية
د.محمد بابكر العوض
مقدمة منهجية:
إن دراسة الحقيقة الاتصالية في الوجود الإنساني هو موضوع للبحث في كثير من العلوم المعاصرة ومحط اهتمام لعدد من تيارات الفكر والثقافة الفاعلة في الحياة الإنسانية بدأ من الكتب الأصلية للفلسفة الإغريقية إلى المقولات النظرية للبرمجة اللغوية العصبية"NLP"وانتهاء بمناهج التدريب في مجالات الادارة وتنمية الموارد البشرية.من هذا الباب لا تعد النظرية الاتصالية مهمة لدارسي وباحثي الاعلام والاتصال وحدهم بل هي ضرورية أيضاً لكل دارس ومتعامل مع الواقع الراهن للاجتماع الانساني الذي يشكل الاتصال مكوناً رئيسياً من مكوناته، ومن حسن الحظ ان النظرية الاتصالية جاءت نتاجاً لعمل مساقات تخصصية متباينة وعلوم مختلفة تشمل الفلسفة والهندسة والاجتماع والاقتصاد والإدراة وغيرها).
وترجع اهمية مبحث النظرية الاتصالية في هذا السياق الذي تطرح فيه لعوامل عدة منها الأهمية المقررة مسبقاً للنظريات كمكون جوهري في بنية العلم الإنساني ولتعبيرها من ناحية أخرى عن جوهر القضية المنهجية للاتجاهات الداعية للتأصيل المعرفي، ولكونها الإطار الأنسب لمناقشة أهم مداخل التأصيل النظري حول الظاهرة الاتصالية، الذي نعتبره مقدمة ضرورية لإصلاح وتطوير واقع العمل الاعلامي والاتصالي في بيئاتنا المحلية.
وتشير هذه الورقة إلى اهمية إحداث تحول في طريقة عرضنا ودراستنا للنظرية الاتصالية تصبح معه مكونات عقل الدارس أقرب إلى التكامل والاتساق منها إلى التشتت وعدم الانتظام. داعية إلى فتح أفق النظر في جملة المسائل المحيطة بالموضوع مثل مدى مناسبة أن تكون النظرية الاتصالية موضوعاً لحقل معرفي مفرد (على المستوى المعرفي) ولمقرر دراسي واحد (على المستوى الإجرائي). ومدى التواؤم بين مستويات دراسة وتدريس النظرية الاتصالية المحتوى المعرفي للمادة المدروسة، ومدى ملاءمة السعي عبر هذا الحقل لإيجاد طريقة للتأسيس لمعايير منهجية لتقويم (ركام من النظريات الاتصالية) والحكم عليها.
الحاجة إلى ناظم منهجي:
لا شك ان السياق التاريخي الذي تدرس من خلاله نظريات الاتصال غالباً ضروري لاستيعاب المعرفة في سياقها التطوري لكنه لا يقدم من المعطيات ما يفي بنقد وتقويم ذلك الركام من النظريات والمفاضلة بينها وإصدار حكم بشأنها، مما يؤكد على حاجتنا إلى تعيين  نموذج إرشادي/ تفسيري (Paradigm ). ولا شك أن السعي لتحقيق توافق وانسجام معرفي بين مكونات حقل النظرية الاتصالية أمر يلعب فيه عاملي الزمن  وطبيعة التواصل المعرفي بين المنظرين والمراكز والمؤسسات العلمية المتمحورة حولها دوراً حاسماً .. فكيف لنا كدارسين او مدرسين وفي مرحلة ما من مراحل الدرس لنظريات الاتصال ان نستحضر قدراً من ذلك التكامل والتجانس المطلوب؟
ولعل الاجابة هنا تتضمن الحاجة إلى نسق تلتئم فيه أشتات النظريات والنماذج الاتصالية. فدارس النظرية الاتصالية يحتاج إلى المعرفة بالبناء المفاهيمي للنظرية الاتصالية والمعرفة بأصولها المعرفية.والتطورات التاريخية التي مرت بها والوعي بتأثير وسائل الاتصال والموضوعات التي يشملها مبحث النظرية الاتصالية والانتقادات الموجهة للاتصال. حتى إذا تحقق له قدر من (الاستيعاب والتمثل) لتلك المكونات اتخذ كل منها موقعه في إطار من بناء كلي وناظم منهجي واحد أكسب كل منها معناه الخاص في إطار ذلك البناء وأصبح ذلك مهيئاص لمرحلة (التجاوز) وإعادة التركيب ضمن النسق المعرفي الخاص به والمساهمة بجهد تنظيري متسق مع المكونات السابقة وقادر التواصل معها و تحديد علاقته بها وإصدار الأحكام بشأنها جهد ينطلق من استكشاف التوجهات النظرية السائدة في المحيط المعرفي العالمي والاقليمي والوطني.وهو ما سنعرض له في مختتم هذه الورقة.

تجديد مفترق الطرق القديم:
 ولعله من الصعب إيجاد مجال تتقاطع فيه التخصصات وتتداخل المناهج العلمية في دراسة جوانبه المختلفة مثل الاتصال؛ فها هو عالم الاتصال الأميركي الشهير (ولبر شرام) يشبِّه حقل الاتصال بـ"مفترق  طرق (أكاديمي) يمر عبره الكثيرون إلا أن القليل فقط هم من يبقون في هذا الحقل" إلا أن(بيرقر Berger)و(شافي Chaffee) لاحظا لاحقاً أن مفترق الطرق القديم لم يعد على ما كان عليه بل تحول إلى مركز حضري كبير، بكامل الأقسام العلمية، والتقاليد البحثية، والمجلات الأكاديمية. ومن خلال هذه المعايير، قرروا أن الاتصال غدا تخصصاً علمياً مؤهلاً تماماً لبداية جديدة لقرن جديد. وقد شبها حيويته بحيوية مطار دولي حافل بخليط من الثقافات واللغات، ومراكز التسوق، والنشاط المحموم [1]. لقد أفادت علوم الاتصال من فروع علمية تشاركها في الحقل المعرفي ذاته مثل اللغة والاجتماع  والسياسة وعلم النفس، حيث تم توظيف معطيات هذه الفروع التي تشترك مع علوم الاتصال انتمائها لحقل الإنسانيات في إثراء وتطوير دراسات علوم الاتصال.إلا أنها مع ذلك أبقت على علاقات عضوية بالعلوم السلوكية والاجتماعية وحتى الطبيعية والتطبيقية.ومن ثم فإن الحفاظ على مبدا التواصل مع المحيط المعرفي المكون لهذا الحقل شرط في إنجاح وتفعيل أي مسعى تنظيري جديد، وهو يؤكد على حقيقة كون هذا الحقل هو إطار مفتوح للمساهمة والتداخل للنقد والإثراء معاً إلا انه وإلى جانب ذلك التفاؤل هناك مواقف ذات طبيعة أخرى.
إن من أهم ما يميز الأطر النظرية لعلم الاتصال أنها فتحت أفقها لمراجعات وانتقادات شاملة ساهمت في ابراز جوانب الضعف التي تعتريها لتنعكس بدورها على النظم الاتصالية المتأسسة عليها ويمكن لبيان ذلك الوقوف على بعض المراحل الرئيسية في مسيرة هذا النقد بدأ ً بأطروحة  نظريات الاتصال الأربع وما تعرضت له من انتقادات وما عبر عنه تقرير اللجنة الدولية لمشكلات الاتصال المعروف بتقرير (شون ماكبرايد) والمواقف المنهجية والعملية المترتبة عليه. ونتائج عمل الملتقيات الدولية لمجتمع (المعلومات – الاتصال – المعرفة) والمنتهية بقمة تونس 2005.هذا إلى جانب الجهود المشهودة للمدرسة النقدية التواصلية ومنهجيات التحليل الثقافي.ومنها أيضاً الأعمال الأخيرة لـ (جيمس كوران) و (روبرت كريج) والتي تتجه بذلك النقد وجهة عملية.
وقد تبلور النقد المشار إليه آنفاً في الاعتراف بوجود اختلالات منهجية تعيق حركة وتطور دراسات الاتصال، تتلخص في عدم وجود جوهر نظري واحد تتمحور حوله الجهود التأصيلية لهذه العلوم، والاعتراف بحقيقة التمركز حول الرؤية والمنظور الانجلو –أمريكي لدراسات الاعلام والاتصال.

البحث عن جوهر نظري ونسق معياري:
يكاد يتكون ما يشبه الإجماع – بين رواد العلم الاتصالي على اختلاف أصولهم المعرفية - حول  عدم توفر مجموعة من النظريات المترابطة ترابطاً دقيقاً حول الاتصال الجماهيري، "إذ لا يكاد يوجد -كما يقول عالم الاتصال الامريكي ملفن دفلور - حتى الوقت الحاضر أمر نظري ثابت نسبياً يمكن أن نطلق عليه نظرية الاتصال الجماهيري أو نظرية الإعلام ، ولكن هناك الكثير من التوقعات حول الطريقة التي يحدث بها الاتصال الجماهيري" (1).
لقد اعتدنا في أقسام الإعلام والاتصال العمل والتعامل مع تلك الغابة الكثيفة من النظريات والنماذج الاتصالية المتعددة والمنتشرة أفقياً والمتباينة في نظرتها للظاهرة الاتصالية حد التنافر أحياناً ولعل هذا ما يفسر ما نحسه من استغراب حيال القول بنظرية كلية للاتصال أو الحديث عن مبحث تخصصي عنوانه (النظرية الاتصالية) وهو ما ناقشه"Robert T. Craig " في مقاله الشيق "Communication Theory as a Field "  داعياً إلى أهمية وجود حقل معرفي واحد يجمع ويجانس بين الوحدات المكونة للنظرية الاتصالية.
النزعة الغربية لدراسات الاتصال:
ونلفت الانتباه هنا إلى انتقاد جوهري آخر ووجهت به دراسات الاتصال في نسختها المعاصرة (ما بعد التسعينات) ويتعلق بالنزعة الغربية لتلك البحوث، ولعل (المؤتمر الذي انعقد في معهد الدراسات تحت عنوان تفكيك النزعة الغربية لدراسات الإعلام، يمثل ذروة الاهتمام بهذا الجانب . وصدرت أعماله في كتاب بعنوان : De westernization of Media Studies حيث لخصت الأوراق في مجملها موقف لباحثي اتصال من مختلف بلاد العالم. كيف تغيير العولمة كل من المجتمع ووسائل الإعلام؟ لقد قام الكتاب بجمع نقد وسائل الاتصال من مختلف انحاء العالم وقاده نحو الأسئلة الجوهرية في دراسة وسائل الاتصال منعتقاً من ضيق المنظور الانجلو أمريكي المهيمن على دراسات الاتصال .. وذهب المساهمون في هذا العمل إلى استكشاف العلاقات بين السلطة ووسائل الإعلام والمجتمع في مجموعة متنوعة من السياقات الإقليمية والوطنية، وآثار العولمة. وهم يواجهون أيضا القيود المفروضة على النظريات التقليدية على وسائل الإعلام والعولمة في فهم هذه العلاقات.وفي سياق تقديمه للكتاب وصف جيمس كوران مادة الكتاب بأنها جزء من ردود الافعال المتعاظمة تجاه الاستغراق الذاتي وضيق الأفق لمعظم النظريات الغربية في مجال الإعلام وفتح الباب للاستماع  إلى  وجهات نظر من مختلف بلاد العالم حول دراسة ظاهرة الاتصال الإنساني.
وسنحاول فيما يلي تقديم ما نعتقده مكونات هامة في بنية المنهج التدريسي لنظرية الاتصال في مستواها الأعلى من التجريد ؛ مقدرين حقيقة أهمية وجود تباينات في المحتوى المعرفي بين المستويات التدريسية المختلفة للمنهج، فمن المعلوم ان الاتصال أصبح يدرس على ثلاث مستويات هي المستوى العام/الثقافي من خلال مناهج "التدريب وتنمية القدرات" وعلى مستوى أنظمة التعليم العام"المدارس الثانوية في بعض البلدان" وعلى مستوى التعليم العالي ويجب هنا أن نفرق بين مناهج التدريس لمرحلة البكلاريوس ومرحلة الدراسات العليا مؤكدين أننا نتحدث هنا عن مناهج الدراسات العليا، مستهدفين دارساً له معرفة أولية بنظريات الاتصال التي كان قدر عرفها في مستويات سابقة.ونعتقد أن هذا النوع من الدارسين يحتاج إلى تعزيز معرفته بالأصول المعرفية لنظريات الاتصال والتمييز بين المواقف المنهجية التي تصدر عنها أياً من تلك النظريات. والإلمام بمراحل تطور النظرية الاتصالية والقدرة على تعريف موضوعات هذا المبحث و أن يكون لديه قدر من الوعي بتأثيرات وسائل الاتصال ومستوى من التعامل مع اتجاهات نقد النظرية الاتصالية وملماً ولو بشكل أولي باتجاهات التناول الإسلامي للاتصال.
أولاً: المعرفة بالأصول العلمية لنظريات الاتصال المعاصرة:
تمثل دراسة التفكير المنهجي حول قضايا الاتصال مدخلاً ضرورياً للتحقق برؤية نظرية واضحة وفاعلة فمن الضروري تبعاً لذلك أن نبتدر الحديث بتحليل التطورات التي مرت بها النظرية الاتصالية كحقل معرفي آخذ في التكوُّن، وكإطار نظري تبرز من خلاله جملة قضايا الاتصال على الأفق المعرفي ومن ثم فمن الطبيعي إن نحتفي بالتاريخ مدخلاً لتتبع مراحل تشكل وتطور ما يعرف اليوم بعلم الاتصال والإعلام وأن يكون المنهج الابستمولوجي الذي تمثل النظريات العلمية مفرداته الأساسية هو الأداة لاستعراض وتحليل تلك المراحل.
قد يلاحظ عند إطلاق عبارة (الفكر الاتصالي) أنها لا تبدو بوضوح حديثنا عن الفكر السياسي أو الاقتصادي أو التفكير الفلسفي على سبيل المثال ذلك أن تاريخ وعمق التجربة العلمية المتحصلة في المجالات الثلاث آنفة الذكر قد أضفت على الحركة الفكرية حولها نوعاً من الإلفة والوضوح والتعميم، هذا فضلاً عن أن القضية الاتصالية مافتئت ينظر إليها في إطارها العام من جوانبها التطبيقية وهو ما أسهم في جعل مفهوم مثل التفكير أو الفكر الاتصالي يبدو غريباً وغائماً بعض الشيء.
رد المواقف المنهجية الراهنة إلى أصولها المعرفية:
وهي مقدمة جيدة لتجاوز الأحكام الأيدلوجية أو المقولات والانتقادات الجدلية في نقد ومحاورة التراث الأدبي والفكري القائم ولعل عنصر المغالطة فيما نقول به أننا بذلك نتخذ موقفاً منهجياً خاصاً بنا إلا أنه يجد تبريره ويكتسب وجاهته في سياق التقاليد العلمية والأعراف الأكاديمية.وللتمثيل على ما يمكن ان يفتحه ذلك المدخل من آفاق لإثراء ساحة التنظير الاتصالي نستطرد في بيان بعض متضمنات اهم تلك المواقف.
1-             جذور الموقف المنهجي الراهن:
عند أي محاولة لبناء السجال النظري حول الاتصال الإنساني في نسق متتابع للقضايا المثارة حسب أهميتها، والاتجاهات والمقولات العلمية حسب ظهورها، فلابد من ملاحظة أن حركة التنظير الاتصالي مرت بمواقف منهجية أولية لتنطلق من بعد ذلك كل في مساره.واهم تلك المواقف الموقف الأنثروبولوجي والموقف الإبستمولوجي والموقف الديني؛ والتي تمثل مداخل حملت معظم النظريات الاتصالية على تعدد منهجياتها جملة من متضمناتها النظرية.
الموقف الأنثروبولوجي: الذي ربط القضية الاتصالية بأبعاد وجودية تتعلق بالخلق الأول للإنسان، إذ يأخذنا التفكير في ماهية الظاهرة الاتصالية إلى الوراء إلى "مسألة أصل الإنسان" التي تمثل كما يرى بيجوفيتش "حجر الزاوية لكل أفكار العالم[2]". وهو مدخل يقودنا للتحاور مع دارون. فمن مسألة الخلق بدأ "داروين" ومن داروين بدأ معظم من كتبوا عن أصول الظاهرة الاتصالية، باعتماد "إنسان داروين" أو  homme Mahine نموذجاً للإنسان أو "الحيوان الكامل" والذي نظر إليه العلماء الطبيعيون باعتباره (نظاماً System  لا يختلف عن غيره من نظم الطبيعة. وأنه نتاج بيئته وعمله. وأن الفرق بينه وبين الكائنات الحية الأخرى فرق في الدرجة لا في النوع.) وفق هذا المنظور يصبح خلق الإنسان مجرد عملية بيولوجية خارجية تحددها حقائق لا روحية خارجية."فاليد" تسبب وتدعم تطور الحياة النفسية "وقد حدد اكتشافها مع اكتشاف "اللغة" نهاية التاريخ الحيواني وبداية التاريخ الإنساني"[3].
وتتبلور الرؤية الاتصالية وفق هذا المدخل مع ظهور اللغة وتستمر في تقديم تفسيراتها للتطور التاريخي للظاهرة الاتصالية من تلك النقطة مروراً بمراحل ظهور وتطور تقانات الاتصال ووسائله المختلفة وحتى مرحلة ظهور شبكة الاتصال الدولية.وهنا تبرز اهم تناقضات الرؤية الاتصالية المعاصرة مع التصور الإسلامي للوجود، وتتسع الشقة في مجال فلسفة التقنية حين تعتبر أن المعادلة السحرية للتقدم العلمي التقني الغربي ما هو الا نتاج لفكرة مطلقية الإنسان وتعبيراُ عن حالة الإعجاب بالذات، "فالإنسان التقني" البروميثي Promethean وآلاته، كانت شعارات طبيعية للدعوة لتحولات نافست في عمقها التحولات الدينية الكبرى في تاريخ الإنسان، فباستخدام عملية التصور المفاهيمي التي يقترحها Stite نستطيع أن نقول إن الوحي مطروحاً منه نظرية المعرفة ينتج أدياناً لا تؤمن بالله، لها طقوس مناظرة لما يعرف في الأديان المعروفة[4]. إذن فإن المعتقدات العلمية القائمة على فكرة النشوء كفكرة مناظرة لحقيقة "الخلق" قد تجلت بشكل أكثر سفوراً على مستوى الممارسة التطبيقية والمستوى الثقافي والإعلامي.
الموقف الابستمولوجي:
وينطلق هذا الموقف في تتبعه لقضية الاتصال لرصد المحاولات التنظيرية الأولى باتجاه التأطير العلمي للظاهرة الاتصالية، حيث يسعى لتتبع المحاولات النظرية لفهم وتفسير الظاهرة. ويجعلنا هذا المدخل في مواجهة مع أرسطو الذي يتم عرضه هنا باعتباره صاحب أول النماذج الاتصالية ويرجع إليه عادة باعتباره صاحب أول نموذج اتصالي.
1-              لا توجد نظرية اتصالية معيارية قال بذلك ملفن دفلور وبينه .....
الرؤية الدينية: إن مصدر الإلهام العلمي الثالث للعقل الغربي هو دون شك المصدر الديني (الكتاب المقدس) وتفسيراته، وعندما حاول (تود. ج. بوشهولز)[5] في كتابه (أفكار جديدة) الإجابة على سؤال من أين نبدأ في دراسة تاريخ الفكر الاقتصادي؟ قال أنه قد يمكننا أن نبدأ بالكتاب المقدس،إذ أنه يتضمن بيانات كثيرة عن الأرض والعمل ورأس المال. بيد أن الكتاب يقدم وصايا أكثر مما يقدم تحليلات دقيقة.وعلى الرغم من أن (آدم سميث) قد اكتسب اسمه وموقفه الأخلاقي من الكتاب المقدس، إلا أن هذا الكتاب لم يقدم له سوى قدر ضئيل من الإلهام بالنسبة لنظرياته الاقتصادية.
لنخلص مما سبق إلى أن التكامل بين المعالجات الأنثروبولوجية والدراسات الإبستملوجية يغدو ضرورة منهجية بالنظر إلى التعقيد المتزايد للتواصل الإنساني، وتنبع اهمية المدخل الأنثروبولوجي من كونه يعرض الظاهرة الاتصالية في صورتها الواقعية،أما المدخل الإبستمولوجي فيجعلنا نقف على المحاولات الإنسانية المختلفة لفهم الظاهرة الاتصالية وتفسيرها وتعريفها علمياً. أما البعد الديني فيبقى حاضراً سواء تم الافصاح عنه أو إضماره.
ومن حق الدارس ان يتعرف على انعكاسات تلك المواقف في الأعمال المؤسسة للتنظير الاتصالي محاولين مع الحرص على عدم استدعاء فصام الرؤية حال النظر في روافد ذلك الفكر إلا إذا كان ثمة ما يستوجب ذلك فمع تأكيد الفروق النظرية بن الرؤيتين الاسلامية والغربية فإن النماذج التي بين أيدينا توضح ان المشهد القائم كان نتاج تفاعل موضوعي بين المكونات المختلفة للمعرفة الانسانية الإسلامية منها أو اليونانية أوالغربية أو الدينية على نحو لا يمكن الفصل بين جزئياته إلا اعتسافاً.
وفي هذا الاطار يمكن عقد مقارنات ثرة بين الرؤية الوجودية للاتصال بين تشارلز دارون في  كتابيه (أصل الأنواع -1859م) و (تسلسل الإنسان1871م) كممثل للرؤية الوجودية الغربية وعبد الرحمن ابن خلدون كممثل للرؤية الوجودية الإسلامية في كتابه "المقدمة" فرغم تأثر كل من الرؤيتين بالنسق الحضاري الذي تنتمي له يبدو التشابه واضحاً بينهما حيث يؤسس ابن خلدون نظرته على مبدأ الخلق باعتباره بدهيةً علمية ومسلمة عقدية فيشرع في إطار تفسيره لحقيقة النبوة في تقديم معنىً عميقاً للاتصال يعرضه كظاهرة وجودية ضمن رؤية كلية للعالم تقسم الوجود إلى ثلاثة عوالم متصلة فيما بينها هي عالم العناصر وعالم القدرة وعالم التكوين ومع وجود الرؤية الداروينية في مختلف كتب الاتصال تكاد رؤيةابن خلدون لا تذكر في التنظير الاتصالي العربي والاسلامي.
ويمكن في هذا السياق استحضار ابن سينا مترجم كتاب الخطابة لأرسطو باعتباره يمثل مرحلة ابتدائية في نشوء النماذج التفسيرية للاتصال إلا أنه ومع الملاحظات العميقة التي أبداها أرسطو (Aristotle) فإنه يبقى واحداً من عمالقة الفلسفة ولكن علينا أن نعترف أنه ترك ملاحظات ضئيلة في تلك العلوم، "على الرغم مما ينطوي عليه ذلك من مخاطرة توجيه إهانة للمناهج الجامعية المتحمسة عن الحضارة الغربية"[6] كما يقول مع بوشهولز.ومثل علم الاقتصاد تماما فإن المناهج الجامعية في مجال الاتصال مشبعة هي الأخرى بوجهة النظر المؤسسة على تراث المعرفة اليونانية، ليس في الجامعات الغربية وحدها بل حتى في جامعاتنوا العربية والإسلامية،  إذ  يتم توارث هذه المقولات كحقائق جوهرية في بنية العلم الاتصالي.
وينبغي هنا ان نجاوز في تعريفنا للدارس بين حقيقة كل من الأثرين اليوناني والإسلامي في الفكر الاتصالي المعاصر على الأقل في النسخة المتداولة في مجتمعاتنا العربية الاسلامية.
هناك عدة محاولات للتأريخ للفكر الاتصالي المعاصر منها تصنيف (حامد مولانا)  والذي قسم مراحل تطور النظرية الاتصالية منذ أربعة عقود زمنية ماضية إلى عصرنا الحالى، واعتبر أن المعيار المنهجى الحاكم على العقد الأول تمثل فى بحوث تدفق المعلومات information flow، أما العقد الثانى فقد اشتمل على مناهج علم النفس الاجتماعي وانعكس ذلك على دراسات وسائل الإعلام، أما العقد الثالث فاعتمد على المنهجية اللغوية وتبين ذلك فى البحوث القائمة على التحليل الرمزي، أما العقد الرابع فاشتمل على مناهج متعددة الأبعاد وهى اقتصادية وسياسية وثقافية وتحليلية[7].
ثالثاً: التوافق حول موضوعات النظرية الاتصالية:
إن من اهم ما يجب أن يناقش في هذا الإطار هو موضوعات النظرية الاتصالية فقد قدمت تصنيفات مختلفة للنظرية الاتصالية حسب موضوعاتها ولعل آخر التصنيفات ما أشرنا له لدى "كريج" والمكون من سبعة حقول أو مداخل واستدرك عليه "ماير" مضيفاً حقلاً ثامناً هو (البراجماتية) فالحقول السبعة للنظرية الاتصالية حسب "كريغ" و"ماير"هي:
1-              المدخل الخطابي: ويرى أن  الاتصال فن تطبيقي للخطاب.
2-              السيميائي: ويرى أن  الاتصال وساطة عبر العلامات.
3-              المدخل الظاهراتي: الاتصالات هي تجربة من الحوار مع الآخرين.
4-              المدخل المعرفي: الاتصال هو تدفق المعلومات.
5-              المداخل الاجتماعية والنفسية: الاتصال هو التفاعل بين الأفراد.
6-              المداخل الاجتماعية والثقافية:. الاتصالات هي إنتاج وإعادة إنتاج النظام الاجتماعي.
7-              المدخل النقدي :. الاتصال هو العملية التي يمكن عبرها ضحد جميع الافتراضات.
8-              المدخل البراغماتي.
ولا شك ان متضمنات الظاهرة الاتصالية في البيئات العربية والاسلامية لا تكاد تشذ عن هذا التأطير إلا ان التعامل الفعلي مع تلك المداخل والطر النظرية يعكس صعوبة في التوفيق بينها وبين واقع الظاهرة الاتصالية في تلك البيئات فهل يعطي ذلك مبرراً لأن نفرد حقلاً تصنيفيا تدرج في إطاره الجهود النظرية الإسلامية الرامية إلى صياغة رؤى نظرية مستقلة متأسسة على الأصول المعرفية والتجربة التواصلية الخاصة بالمجتمعات الإسلامية،؟ وأن تدرج محاولات النقد الموجهة من الأفق الذي تنتمي إليه لفكر ونظريات الاتصال المعاصرة لنضيف إلى التصنيف السابق مدخلأ تاسعاً حول الرؤية الإسلامية للاتصال أو ما شابه؟
رابعاً:الوعي بتأثيرات وسائل الاتصال:
ويحتاج الدارس هنا إلى التعرف على الجدل المثار حول تأثير وسائل الاتصال ومنذ بروز إشكالية التأثير المحتمل لوسائل الإعلام على الأفراد، شغل هذا الحقل المعرفي الباحثين لفترة طويلة، ولا يزال، ودارت مواقفهم إزاءه بين حدين متناقضين؛ فريق يرى أن لوسائل الإعلام تأثيراً قوياً ومباشراً وفورياً على الجماهير، في حين يرى الفريق الآخر أن تأثيرها محدود، مستندين في ذلك إلى القول بأن الجماهير ليست مجرد ذرات سلبية منفصلة تتحرك حيثما تأمرها وسائل الإعلام.  وكان على أنصار كلا الفريقين أن يطوروا من النماذج والأطر النظرية ما يؤسس بها لوجهة نظره، فظهرت تبعاً لذلك عدة نظريات.
 التأثيرات المعرفية لوسائل الاتصال: هناك بحوث أخرى بينت ان ثمة تأثيرات أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها هي تلك التي تأتي على المستوى المعرفي. والوظيفة المعرفية للاتصال لا يمكن عزلها عن بعض الوظائف الأخرى مثل وظيفة الإخبار ووظيفتي الإعلام والتعلم إلا أنها تمتاز بخصوصية تكمن في الهدف من هذه الوظيفة، والتي تعنى بتشكيل الآراء والاتجاهات لدى الجمهور ومن ثم تدخل الدعاية والعلاقات العامة وتكوين الرأي العام ضمن هذه الوظيفة.وتعد العلاقة بين البناء المعرفي للفرد وبناء الاتجاهات والسلوك جوهر النظريات المعرفية سواء تلك التي تبحث في التوازن أو التنافر المعرفي لدى الفرد في إطار عمليات الاتصال الذاتي وتقرير السلوك أو عمليات التفاعل في الاتصال الإنساني.
وفي حين تبالغ المداخل السلوكية في تقديرها للمثيرات البيئية المحيطة "المثيرات الخارجية" يؤكد المدخل المعرفي على وجود مؤثرات أخرى (داخلية) تتعلق بالبناء الإدراكي والنظام المعرفي للفرد. وتعتبر كل من نظرية المعرفة (أو منحنى المعرفة) ونظرية التوازن المعرفي ونظرية فجوة المعرفة اهم النظريات التي اهتمت بالبعد المعرفي في عملية التعرض لوسائل الاتصال.
نموذج المعرفة والتغيير الاجتماعي و ظهور الفجوة المعرفية بين فئات المجتمع: يمثل اكتشاف الفجوة المعرفية الخطوة الأولى في تقييم دور وسائل الإعلام في النظم الاجتماعية على المستويات المختلفة.  وبالتالي فإنه يمكن النظر إلى فرض أو نموذج (الفجوة المعرفية) أنه في حالة وجود تباين في القدرات الاتصالية بين مختلف الجماعات، مما ينتج عنه تباين منتظم في تحقيق الأهداف والقيم الخاصة بالجماعات. . وقد قدمت الدراسات في هذا المجال عدة افتراضات لاختبار وقياس فجوة المعرفة كما ناقشت الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في هذا المجال التعليمي أو التعرض السابق لوسائل الإعلام.. من الفجوة المعرفية إلى مجتمع المعرفة.
خامساً:اتجاهات نقد النظرية الاتصالية:
والموقف الذي نتخذه هنا هو الجمع أو المقاربة بين اتجاهات نقد النظرية الاتصالية واتجاهات التناول الاسلامي للاتصال.لنقلل المسافة بين التوجه النقدي والاتجاه البنائي لنختم بتحديد معالم الرؤية الإسلامية للاتصال.
تتفرع المادة النقدية الأساسية للنظرية الاتصالية المعاصرة في جامعاتنا لجذرين أساسيين الأول ماركسي والثاني إسلامي حيث وجه التياران موجات متعاقبة من النقد والمراجعة والاستدراك وفي هذا السياق. إلا أن النظرية النقدية التواصلية قد حظيت من قبل باحثي الاتصال المعاصرين باهتمام أكبر بكثير مما حظيت به الانتقادات الإسلامية، والتي لم تفلح في توجيه نقد قوي ومؤثر لنظريات الاتصال الغربية بحيث يلفت انتباه الأوساط العلمية أو يؤثر على الوجود المتنفذ لتك النظريات حتى على مستوى المؤسسة العلمية العربية الإسلامية نفسها، أو يسوغ القبول المنطقي للبدائل النظرية التي تطرحها.
1-              النظربة النقدية التواصلية وأهم منظريها: عرفت هذه المدرسة برفضها الجانب المادي للمدرسة الإمبريقية التي عيب عليها تركيزها على الاتصال وإهمالها للمحيط التاريخي والثقافي وهو الأمر حسب رأيهم – الذي يشوه حقيقة الاتصال[8] ومن روادها منظِّروا مدرسة فرانكفورت من أمثال هوركهايمر، أدورونو، ماركيوس، وتتميز بإعطائها الأولوية في تحليل المحيط الاجتماعي الذي تتم فيه العملية الاتصالية. إلا أن يورغن هابرماس يعد من أكثر منظري (مدرسة فرانكفورت) عطاء فيما يتعلق بالنظرية الاتصالية في الفترة الأخيرة.                وتمتاز المدرسة النقدية بتباين ااتجاهاتها حيث انقسم أتباع المدرسة النقدية في موقفهم من الاتصال إلى عدة اتجاهات، كل واحد منها اهتم بمؤشر واحد دون غيره من المؤشرات ولكن مع التركيز دائماً على التغييرات والصراعات ويمكن تقسيم تلك الاتجاهات بناء على ما سبق إلى أصحاب المقاربة الاقتصادية السياسية بدراسة العامل الاقتصادي ومن ثم تحليل بنية أو نسق الملكية لوسائل الاتصال وكيفية عملها كما جعلوا الضبط الاجتماعي مركزاً لاهتماماتهم وأصحاب المقاربة الشمولية ويعطي هؤلاء الأولوية للعامل الأيديولوجي على حساب العامل الاقتصادي فهم يهتمون بدراسة مظاهره المختلفة وآليات ديمومته. أما أصحاب المقاربة الثقافية يحاولون تفسير معنى الثقافة الشعبية من خلال مجموع التجربة الثقافية مهتمين بتحليل الكل بدلا من عزل مجال ثقافي بعينه. وأخيرا يتكلم أصحاب مقاربة الإمبريالية الثقافية عن عملية زرع المنتوجات الاتصالية الغربية في البلدان النامية، معتبرين أن القيم الواردة إلى تلك البلدان هي القيم الرأسمالية التي تلوث الطبيعة المحلية وتستعمرها، عن طريق الوسائل المرسلة.
2-              موقف باحثي المجتمعات النامية: مع أن المشتغلين بالعلم -كما يقول (هيربرت شيلر)- في المناطق التابعة يرتبطون بوعي أو بدون وعي بشبكة اهتمامات وأولويات البحث التي تحددها السوق العلمية الدولية إلا ان ثمة أصوات في دول المجتمعات النامية استطاعات ان تعبر عن اتجاهات مستقلة في تعاملها مع الاتصال . وفي كثير من مجتمعات العالم الثالث ودول الشمال في أمريكا اللاتينية هناك مساعي للتعبير عن الثقافات الوطنية والتأسيس لممارسة نظرية مستقلة فيما يتعلق بمجال المعلومات وتقنيات الاتصال، ويمكن أن تكون التجربة الهندية إلى جانب تجربة النمور الأسيوية أمثلة يمكن دراستها والاستفادة منها.
3-              الانتقادات الإسلامية للنظرية الاتصالية:من الطبيعي و نظراً للاختلاف العميق في المنطلقات الفكرية للعقل المسلم مع نظيره الغربي أن تكون له رؤيته الخاصة لعلم الاتصال و ظواهره. ومن المهم مناقشته في هذا المقام أن ميتافيزيقا العلم الحديث تؤسس رؤيتها على مقدمات العلم الطبيعي في روايته الداروينية التي ترى أن الوجود الإنساني ما هو إلا نتاج لتحول بيولوجي وأن الكائن الإنساني الحالي ما هو إلا تطور لأشكال أكثر بدائية من الحياة مما يفتح الباب أمام احتمال حدوث تحولات لاحقة قد تغيَّر في تعريف النوع الإنساني نفسه على نحو ما بشر به فوكوياما ، وقد انعكست رؤيا دارون على مجمل نظريات العلم الاجتماعي ومنها النظريات الرئيسية للاتصال الإنساني وهو ما يجعلها تقع على خط التناقض مع مسلمات العقل العلمي الإسلامي الذي يبني على وحدة الحقيقة في بعديها الغيبي والشهودي.
سنلاحظ من بعد أن ذلك الموقف الغربي المستبطن من الوحي قد حرم الخارطة المعرفية لدراسات الاتصال الكثير من الجوانب الهامة في التجربة الاتصالية للإنسان لا يمكن إثبات وجودها إلا باستصحاب ما تحويه الأصول الدينية من معارف.  وهو ما يعكس موقفاً علمياً قوة المؤثر الثقافي على حركة البحث الاتصالي حتى أن الإنسان ليصاب بالدهشة حين يجد أن بعض الكتابات التي تؤرخ لأهم الأحداث الاتصالية في التاريخ الإنساني تحتفي بالميثولوجيا اليونانية في الوقت الذي تتناسى فيه وتغفل تماماً الإشارة إلى ظهور الكتب الدينية الأهم في التاريخ البشري كـ(التوراة والإنجيل والقرآن) والتي لا تزال تمثل إطاراً إلهامياً ونظاماً للحياة لمعظم المجتمعات البشرية، وذلك راجع لجذور معرفية قد تخرج عن دائرة الملاحظة والتجريب. إن واحدا من مقاصد البحث التأصيلي في بلادنا ينبغي ان يكون هو "تخصيب وتهيئة التربة الفكرية الملائمة لنمو مقدرات اتصالية عربية إسلامية،  تكون القاعدة الراكزة للتخطيط الاستراتيجي الاتصالي الإسلامي والعربي، القادر عل مدافعة ومواجهة أهداف الهيمنة الثقافية والاقتصادية من أي مركزية قائمة أو محتملة،وهو مقصد يقوم في أساسه على دور الخبراء والعلماء في المجال الاتصالي قبل أن يقوم على القرار السياسي للحكومات والدول. وهو مقصد لا يستهدي بثقافة القطع والبتر والمنع، بل بثقافة المنازلة الفكرية العلمية " والانطلاق من قاعدة معرفية راسخة البناء.


اتجاهات التناول الإسلامي للاتصال:[9]
لقد قررت دراسة شملت 63 مرجعاً من كتب الاتصال والإعلام الإسلامي المقررة في الجامعات العربية والإسلامية باللغتين العربية والإنجليزية أنه يمكننا لتصنيف الأدبيات الإسلامية المنجزة في مجال علوم الاتصال اعتماد ثلاثة محاور أساسية هي
1-      محور الدراسات ذات الطابع الوصفي النظري ويشير إلى التناول الوصفي التاريخي الإجتماعي ومعالجة النصوص القرآنية من منظور اتصالي واستنباط موجهات نظرية من القرآن والسنة
2-     محور التناول المعياري وتحليل المؤسسات الاتصالية الإسلامية السابقة والقائمة من منظور اتصالي .
3-     المحور الثالث ويشمل الدراسات العاملة في اتجاه نحو بناء نظريات ونماذج اتصالية إسلامية .
  وهذه المحاور ليست مطلقة (exhaustive)، بل هي في بعض الحالات متداخلة، بحيث يمكن وضع عمل واحد في أكثر من محور. وهذا التداخل إنما هو نتاج لاتجاهات الكاتب الفكرية من جهة، ومن جهة أخرى هو نتاج لطبيعة الموضوع الذي يتم تناوله.
وينبغي الإشارة هنا انه ومن بين الـ63 عملاً المشار  إليها لم يندرج ضمن المحور الثالث المتعلق بالاتجاه نحو بناء نظريات ونماذج اتصالية إسلامية سوى 10 " وهذا الشح في هذا الاتجاه من العمل الفكري الاتصالي يعود -في تقديرنا- للصعوبات المتصلة بمثل هذا الاتجاه العلمي والأكاديمي.  فلا شك أن الاتجاه نحو بناء النماذج والنظريات العلمية لابد أن يقوم على قاعدة من البحث العلمي، وهو أمر تحيطه إشكالات متعددة منها المنهجي ومنها الإجرائي ومنها الفلسفي. فعلى الصعيد الإجرائي يكفي أن نشير إلى تفاوت الأمداء والمستويات في العالم العربي أو الإسلامي فيما يتعلق بالحريات الأكاديمية والحريات الصحفية على حد سواء، وهو ما سينعكس بدوره على البحث واتجاهاته، ومن ثم على القدرة على بناء النماذج والنظريات. إن النظرية لا تصبح نظرية ذات قيمة إن لم تلبي حاجة التعميم generalizability ، بحيث يمكن تعميم صدقيتها على عموم البيئة التي تدعي النظرية اختصاصها بها. ولا شك لأن هذا الأمر- التعميم على البيئة - في غاية التعقيد فيما يتعلق بالبيئة الإسلامية التي يخضع تحديدها ثقافياً وجغرافياً لاعتبارات وإشكالات ذات بعد سياسي وتاريخي.[10]"
وإذا كنا هنا لا نستطيع الجزم في مثل هذه الظروف بامكانية تقديم نموذج جامع ومانع إلا أننا نستطيع التعريف بمعالم الطريق التي ربما أدت بنا إلى استخلاص تلك الرؤية النظرية المستقلة بشأن الاتصال الإنساني من مجمل تجربة الإنسان المسلم في التعاطي مع الوحي والواقع.
ويمر الطريق إلى بيان الرؤية الإسلامية في مجال النظرية الاتصالية عبر الأصول المؤسسة للظاهرة الاتصالية وهي هنا القرآن والسنة والتجربة الانسانية للمجتمعات الإسلامية في تعاطيها الداخلي وتواصلها مع المجتمعات والثقافات الأخرى ونتائج الموقف النقدي للرؤية الاتصالية السائدة عالمياً.
بيان أسس التصور الإسلامي للظاهرة الاتصالية:
والمترتب على م يليي
1-      إنجاز بحوث تأسيسية في أصول الظاهرة الاتصالية في القرآن الكريم: تساعد في تقديم بدائل على مستوى الرؤى الكلية الضرورية للتأسيس لجزئيات العلم الاتصالي، ويتوقع من هذه الدراسات أن تسهم في تخليص العقل الإسلامي المعاصر من الارتهان للتصور الأحادي للمعرفة .. ولا معنى من بعد ذلك لان نقول أن دراسة دوفلور روكاخ التي سبقت الإشارة إليها تنطلق منذ لحظتها الأولى من التصور الداروني للنشوء والتطور، ومن المؤسف حقاً أن نجد أن بعض ما تم إنجازه في مجال النظرية في (السودان والعالم العربي الاسلامي) انطلق من ذات النقطة [11].
2-     استجلاء معالم النشاط الاتصالي في التجربة النبوية: وهي خطوة مكملة للخطوة السابقة ومتأسسة عليها فقد مثلت التجربة النبوية واحدة من أنجح التجارب الاتصالية في التاريخ الإنساني وهو أمر كما صدَّقته شواهد تاريخية شهد به جملة من العلماء والفلاسفة من المسلمين وغير المسلمين . إن إغفال هذه التجربة النبوية في مجالات الدعوة والإقناع من قبل أي مدرسة أو مذهبية فكرية يقدح في علميتها ، ويفقدها تجربة من أثرى تجارب
3-            الاتصال الإنساني.
4-     دراسة التجربة التاريخية للمجتمعات الإسلامية في مجال الاتصال والتواصل الإنساني: وينبغي لنا هنا  تذكر ما حققه المسلمون من نجاح في ترجمة ونشر أقدم التنظيرات الإنسانية المكتوبة في مجال الاتصال الإنساني ، والمتمثلة في محاورات أفلاطون وكتابات أرسطو في المنطق والخطابة والذي يعتبر أول نظام يوضح قوانين التواصل العقلي ويفسر حدوث الفهم المشترك بين أناس تفصل بينهم الجغرافيا والزمان والبيئة والتجربة الإنسانية.فقد قدم المسلمون فتحاً معرفياً كبيراً بكشفهم عن (منطق أرسطو) واهتمامهم بترجمة وتحليل مقولاته، أما كتاب ارسطو في البلاغة والخطابة والذي ترجع إليه معظم كتابات التنظير الاتصالي المعاصرة باعتباره السفر الذي وضع المقولات الأولى في هذا المجال فإن قصة إهماله لا تزال تحتاج إلى مزيد من البحث والتقصي ، غير أن ما لا خلاف فيه هو أن ترجمة المسلمين له هي ما حفظ له البقاء حتى زماننا الحالي.وهو سبق لصالح حضارة الإسلام والمسلمين يستحق أن يحفظ في سجل الإنجاز إلا نه وبإزاء التيه الاتصالي المتمثل في قلة المنتج الإسلامي في مجال التأطير النظري للممارسات الاتصالية ، والذي جاء متأخراً جداً كاستجابة للتحديات الخارجية أكثر منه استجابة لحاجات ظرفية تتعلق بالبيئات الإسلامية . يبدو أمراً غريباً .
5-     تكثيف الدراسات النقدية لنظريات الاتصال السائدة والنظر في تراث المعرفة الإنسانية في مجال الاتصال الدولي: بإعطاء المقابلة بين المنطلقات الفكرية للرؤية الاتصالية في كل من النموذجين الإسلامي والغربي الأولوية في البحث ومن ثم الاتجاه إلى دراسة المآلات المتوقعة لكل نموذج .يلي ذلك الاهتمام بالنظر في تراث التجارب الإنسانية الأخرى ودراسة مدى تقاربها أو مفارقتها لمحددات الرؤية الاسلامية.
خاتمة:
أهمية استيعاب الاجتهادات التنظيرية في سياق المؤسسة الجامعية وكليات الإعلام في هيئة كتب منهجية وهو أمر يستدعي المرور بثلاث مراحل تبدأ برفع مستوى التفاعل العلمي عبر الملتقيات العلمية وهي مرحلة ضرورية لمراجعة ومناقشة تلك الاجتهادات على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي أولاً. والسعي إلى النفاذ بقضايا الاتصال البيئات العربية والاسلامية إلى مركز اهتمامات الجماعة العلمية الاتصالية ويجب أن نسلم هنا أن هذا المركز يتواجد الآن في الغرب ثانياً. وتشجيع الدارسين من خارج الدائرة الإسلامية لدراسة نظم ونظريات الاتصال الإسلامية مما سيمنحها قدرة أكبر على النفاذ والمقبولية ومن ثم يرفع من فرصها في المساهمة في إعادة توجيه الرؤية النظرية الكلية للنموذج الاتصالي.
إن أي طرح يسعى لتجاوز واقع التبعية المنهجية، ولحاجز الانغلاق على الذات، مطالب بأن يوجد لنفسه مكاناً في عمق بنية العلم الاتصالي مروراً بالمشاركة الفاعلة في خضم ساحة الجدل النظري المشغولة بخليط غير متجانس من التوجهات والرؤى النظرية. ومن ثم فإن الاستدراكات النقدية، والاضافات النظرية هي أمر مشروع وممكن كما اتضح سابقاً.
وفي خاتمة القول لابد من التأكيد على أهمية التوافق بين الوقائع النظرية وواقع الممارسة التطبيقية الاعلامية والتواصلية في المحيط المحلي، أخذاً وعطاء والسعي إلى التأسيس لعلاقة تقوم على التعزيز المتبادل بين الممارسة النظرية والممارسة التطبيقية في التجربة السودانية.إن العلاقة بالواقع هي وحدها الكفيلة بأن تمنح الطرح النظري مشروعيته وقيمته وخصوصيته والمكانة التي يستحق.



المراجع:
الكتب:
1.    كريب،أيان ترجمة، غلوم، محمد حسن:النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس سلسلة عالم المعرفة العدد (244) أبريل 1999م.
2.    بيجوفيتش، على عزت : الإسلام بين الشرق والغرب "  ترجمة محمد يوسف عدس – مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام والخدمات ط 1 : يناير 1994م).
3.    تود.  ج. بوشهولز : أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين، ترجمة :نزيه الأفندي وعزة الحسيني، المكتبة الأكاديمية (القاهر1996ط الأولى).
4.    ابن خلدون،عبد الرحمن: المقدمة الجزء الأول (تفسير حقيقة النبوة).
5.       البدوي، محمد عثمان : الأبعاد الاتصالية لمفهوم الذات الجمعي، بحث غير منشور. 
6.       الوكيل، سعيد:تحيز الناقد بين الخطيئة والتكفير،بحث غير منشور مقدم لمؤتمر التحيز المعرفي والمسارات المتنوعة للمعرفة، مركز الدراسات الحضارية، كلية الاقتصاد جامعة القاهرةص2.
7.       بروتون، فيليب: ثورة الاتصال.
8.       أبو إصبع، صالح خليل: الاتصال والإعلام في المجتمعات المعاصرة ط الرابعة، دار مجدلاوي (عمان2004،ص223.
9.    الدسوقي، إبراهيم : وسائل وأساليب الاتصال الجماهيرية والاتجاهات الاجتماعية تحليل نظري، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية.
10.           بخوش، أحمد, المركز الجامعي خنشلة , الجزائر, الاتصال والعولمة" دراسة سوسيوثقافية" , دار الفجر للنشر والتوزيع , 2008م.

11.   مصدق، حسن:يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت النظرية النقدية التواصلية –المركز الثقافي العربي-الطبعة الأولي 2005م.

12.   قلندر،محمود محمد. العوض،محمد بابكر:اتجاهات البحث في علوم الاتصال نظرة تأصيلية.(معهد إسلام المعرفة،دار الفكر دمشق 2009)




13.   [1] د. عواطف عبد الرحمن : قضايا التبعية الإعلانية والثقافية في العالم الثالث، سلسلة عالم الموضة العدد ( 78) العام 1984م الكويت المجلس القومي للثقافة ص5

الأوراق البحثية:
1.       أغلو، أحمد داوود: تحليل مقارن للنماذج المعرفية الإسلامية والغربية مجلة إسلامية المعرفة العدد( 022)السنة (6) المعهد العالمي للفكر الإسلامي، (واشنطن 2000م) .
2.       عبد الباري، وائل إسماعيل حسن:تكنولوجيا الاتصال والتغير الاجتماعي  الأبعاد التنموية للمعلوماتية، بحث مقدم لمؤتمر تقنيات الاتصال والتغير الاجتماعي جامعة الملك سعود  قسم الإعلام الرياض 18­20 /3/ 1430هـ

3.       العوض،محمد بابكر:أصول الظاهرة الاتصالية في القرآن الكريم : مجلة تفكر  : العدد (1) المجلد(7)العام  2005

المراجع الأجنبية:
1.             Curran, James; Park Myung-Jin: De-Westernizing Media Studies ,Rutledge.  London.
2.             Dagnino, E. (1973) `Cultural and Ideological Dependence: Building a Theoretical Framework,' in F. Bonilla and R. Girling (eds) Structures of Dependency.Stanford, California: Stanford University Press.
3.             Mawlana, H. (1994) “Information Communication Research in the 21st. Century: from functionalism to postmodernism and beyond.” (In) Cees Hamelink & Olga Linne (eds.) The Myth of the Information Society. New Jersey: Ablex Pub. Co.




[1] Robert L. Stevenson:Problems and Pitfalls of Comparative Research
in Political Communication, www.unc.edu/~rlstev/Text/Mainz%20chapter.pdf
(1) ملفن دي فلير و ساندرا  بول ر وكيش : ترجمة محمد ناجي الجوهر : نظريات الإعلام ، " دار الأمل للنشر والتوزيع ، اربد – الأردن " ط الأولى  2001م .
[2] (على عزت بيجوفيتش : الإسلام بين الشرق والغرب "  ترجمة محمد يوسف عدس – مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام والخدمات ط 1 : يناير 1994م). صـــ47- 48.
[3] المرجع السابق صــــ47- 48.
[4] أنظر أحمد داوود أغلو  تحليل مقارن للنماذج المعرفية الإسلامية والغربية مجلة إسلامية المعرفة العدد( 022)السنة (6) المعهد العالمي للفكر الإسلامي، (واشنطن 2000م) ص26.
[5] أستاذ علم الاقتصاد في جامعة هارفارد.
[6] تود.  ج. بوشهولز : أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين، ترجمة :نزيه الأفندي وعزة الحسيني، المكتبة الأكاديمية (القاهر1996ط الأولى ص  20)
[7] أنظر : Mawlana, H. (1994) “Information Communication Research in the 21st. Century: from functionalism to postmodernism and beyond.” (In) Cees Hamelink & Olga Linne (eds.) The Myth of the Information Society. New Jersey: Ablex Pub. Co.
نقلاً عن د. وائل إسماعيل حسن عبد الباري :تكنولوجيا الاتصال والتغير الاجتماعي  الأبعاد التنموية للمعلوماتية، بحث مقدم لمؤتمر تقنيات الاتصال والتغير الاجتماعي جامعة الملك سعود  قسم الإعلام الرياض 18­20 /3/ 1430هـ
[8]  د. أحمد بخوش , المركز الجامعي خنشلة , الجزائر, الاتصال والعولمة" دراسة سوسيوثقافية" , دار الفجر للنشر والتوزيع , 2008م.
[9] أنظر:قلندر،محمود محمو . العوض،محمد بابكر:اتجاهات البحث في علوم الاتصال نظرة تأصيلية.(معهد إسلام المعرفة،دار الفكر دمشق 2009) ص28-29
[10] المرجع السابق:ص 36
[11]  علي محمد شمو : مقدمة في علم الاتصال ، منشورات جامعة السودان المفتوحة